تفسير
تقريب القرآن إلى الأذهان[sup](2)[/sup]
((بسم الله الرحمن
الرحيم)) أي أستعين بالله،
وإنما لم يقل "بالله"
تعظيما، فكأن الإستعانة بالأسم،
والله علم له سبحانه، والرحمن
والرحيم صفتان تدلان على كونه
تعالى عين الرحمة. فلا يرهب
جانبه كما يرهب جانب الطغاة
والسفاكين. وتكرير الصفة
للتأكيد.
تفسير
الميزان[sup](1)[/sup]
(بيان)
قوله تعالى: ((بسم الله
الرحمن الرحيم.)) الناس ربما
يعملون عملا أو يبتدئون في عمل
ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو
كبير من كبرائهم ليكون عملهم ذاك
مباركا، بذلك متشرفا، أو ليكون
ذكرى يذكرهم به. ومثل ذلك موجود
أيضا في باب التسمية، فربما
يسمون المولود الجديد من
الإنسان، أوشيئا مما صنعوه أو
عملوه كدار بنوها أو مؤسسة
أسسوها باسم من يحبونه أو
يعظمونه، ليبقى الإسم ببقاء
المسمى الجديد، ويبقى المسمى
الأول نوع بقاء ببقاء الإسم، كمن
يسمي ولده باسم والده ليحى بذلك
ذكره فلا يزول ولا ينسى.
وقد
جرى كلامه تعالى هذا المجرى،
فابتدأ الكلام باسمه، عز إسمه،
ليكون ما يتضمنه من المعنى معلما
بإسمه، مرتبطا به. وليكون أدبا
يؤدب به العباد في الأعمال
والأفعال والأقوال، فيبتدئوا
باسمه ويعملوا به، فيكون ما
يعملوه معلما باسمه، منعوتا
بنعته تعالى، مقصودا لأجله
سبحانه، فلا يكون العمل هالكا
باطلا مبترا، لانه باسم الله
الذي لا سبيل للهلاك والبطلان
إليه، وذلك أن الله سبحانه بين
في مواضع من كلامه: إن ما ليس
لوجه الكريم هالك باطل، وإنه:
سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس
لوجهه الكريم فيجعله هباء
منثورا، ويحبط ما صنعوا ويبطل ما
كانوا يعملون، وإنه لا بقاء لشيء
إلا وجهه الكريم فما عمل لوجهه
الكريم وصنع باسمه هو الذي يبقى
ولا يفنى، كل أمر من الأمور إنما
نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه
نصيب، وهذا هو الذي يفيده ما
رواه الفريقان عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أنه قال: "كل
أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله
فهو أبتر الحديث." والأبتر هو
المنقطع الآخر، فالأنسب أن
متعلق الباء في البسملة ابتدا
بالمعنى الذي ذكرناه وقد ابتدأ
بها الكلام بما أنه فعل من
الأفعال، فلا محالة له معنى ذا
وحدة، وهو المعنى المقصود
إفهامه من إلقاء الكلام، والغرض
المحصل منه، وقد ذكر الله سبحانه
الغرض المحصل من كلامه الذي هو
جملة القرآن إذ قال تعالى: ((قد
جاءكم من الله نور وكتاب مبين
يهدي به الله.)) الآية المائدة - 16.
إلى غير ذلك من الآيات التي أفاد
فيها: أن الغاية من كتابه وكلامه
هداية العباد.
فالهداية
جمله هي المبتدأة با
الرحيم يبين لعباده سبيل رحمسم الله
الرحمن الرحيم، فهو الله الذي
إليه مرجع العباد، وهو الرحمنته
العامة للمؤمن والكافر مما فيه
خيرهم في وجودهم وحياتهم، وهو
الرحيم يبين لهم سبيل رحمته
الخاصة بالمؤمنين وهو سعادة
آخرتهم ولقاء ربهم، وقد قال
تعالى: ((ورحمتي وسعت كل
شيء فسأكتبها للذين يتقون.)) الأعراف - 156،
فهذا بالنسبة إلى جملة القرآن.
ثم
أنه سبحانه كرر ذكر السورة في
كلامه كثيرا كقوله تعالى: ((فاتوا
بسورة مثله.)) يونس - 38، وقوله: ((فاتوا
بعشر سور مثله مفتريات.)) هود - 13،
وقوله تعالى: ((إذا أنزلت
سورة.)) التوبة - 86، وقوله:
((سورة أنزلناها
وفرضناها.)) النور - 1، فبان
لنا من ذلك: أن لكل طائفة من هذه
الطوائف من كلامه التي فصلها
قطعا قطعا، وسمى كل قطعة سورة
نوعا من وحدة التأليف والتمام،
لا يوجد بين ابعاض من سورة ولا
بين سورة وسورة، ومن هنا نعلم: أن
الاغراض والمقاصد المحصلة من
السور مختلفة، وأن كل واحدة منها
مسوقة لبيان معنى خاص ولغرض محصل
لا تتم السورة إلا بتمامه، وعلى
هذا فالبسملة في مبتدأ كل سورة
راجعة إلى الغرض الخاص من تلك
السورة.
فالبسملة
في سورة الحمد راجعة إلى غرض
السورة والمعنى المحصل منه،
والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام
في هذه السورة هو حمد الله
بإظهار العبودية له سبحانه
بالإفصاح عن العبادة والإستعانة
وسؤال الهداية، فهو كلام يتكلم
به الله سبحانه نيابة عن العبد،
ليكون متأدبا في مقام إظهار
العبودية بما أدبه الله به،
وإظهار العبودية من العبد هو
العمل الذي يتلبس به العبد،
والأمر ذو البال الذي يقدم عليه،
فالإبتداء باسم الله سبحانه
الرحمن الرحيم راجع إليه،
فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية.
ى
الإنجاء حين لا منجي، وعلى
الإغاثة حين لا مغيث.))